المجلة | آيـــة |{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}
إن هذه الآية لتقيم سياجا في المجتمع الفاضل الكريم، حول حرمات الأشخاص وكراماتهم وحرياتهم، بينما هي تعلم الناس كيف ينظفون مشاعرهم وضمائرهم، في أسلوب مؤثر عجيب. وتبدأ بذلك النداء {يا أيها الذين آمنوا} ثم تأمرهم باجتناب كثير من الظن، فلا يتركوا نفوسهم نهبا لكل ما يهجس فيها حول الآخرين من ظنون وشبهات وشكوك. وتعلل هذا الأمر {إن بعض الظن إثم}. وما دام النهي منصبا على أكثر الظن، والقاعدة أن بعض الظن إثم، فإن إيحاء هذا التعبير للضمير هو اجتناب الظن السيء أصلا، لأنه لا يدري أي ظنونه تكون إثما! بهذا يطهر القرآن الضمير من داخله أن يتلوث بالظن السيء، فيقع في الإثم؛ ويدعه نقيا بريئا من الهواجس والشكوك، أبيض يكن لإخوانه المودة التي لا يخدشها ظن السوء؛ والبراءة التي لا تلوثها الريب والشكوك. ولكن الأمر لا يقف في الإسلام عند هذا الأفق الكريم الوضيء في تربية الضمائر والقلوب. بل إن هذا النص يقيم مبدأ في التعامل، وسياجا حول حقوق الناس الذين يعيشون في مجتمعه النظيف، فلا يؤخذون بظنة، ولا يحاكمون بريبة؛ ولا يصبح الظن أساسا لمحاكمتهم. بل لا يصح أن يكون أساسا للتحقيق معهم، ولا للتحقيق حولهم. والرسول يقول إذا ظننت فلا تحقق.. ومعنى هذا أن يظل الناس أبرياء، مصونة حقوقهم، وحرياتهم، واعتبارهم. حتى يتبين بوضوح أنهم ارتكبوا ما يؤاخذون عليه. ولا يكفي الظن بهم لتعقبهم بغية التحقق من هذا الظن الذي دار حولهم! فأي مدى من صيانة كرامة الناس وحرياتهم وحقوقهم واعتبارهم ينتهي إليه هذا النص.. ثم يستطرد في ضمانات المجتمع إلى مبدأ آخر يتصل باجتناب الظنون: {ولا تجسسوا} والتجسس قد يكون هو الحركة التالية للظن؛ وقد يكون حركة ابتدائية لكشف العورات، والاطلاع على السوءات. والقرآن يقاوم هذا العمل الدنيء من الناحية الأخلاقية، لتطهير القلب من مثل هذا الاتجاه اللئيم لتتبع عورات الآخرين وكشف سوآتهم. وتمشيا مع أهدافه في نظافة الأخلاق والقلوب. ولكن الأمر أبعد من هذا أثرا. فهو مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في نظامه الاجتماعي، وفي إجراءاته التشريعية والتنفيذية. إن للناس حرياتهم وحرماتهم وكراماتهم التي لا يجوز أن تنتهك في أى صورة من الصور، ولا أن تمس بحال من الأحوال. ففي المجتمع الإسلامي الرفيع الكريم يعيش الناس آمنين على أنفسهم، آمنين على بيوتهم، آمنين على أسرارهم، آمنين على عوراتهم. ولا يوجد مبرر - مهما يكن - لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات. حتى ذريعة تتبع الجريمة وتحقيقها لا تصلح في النظام الإسلامي ذريعة للتجسس على الناس. فالناس على ظواهرهم، وليس لأحد أن يتعقب بواطنهم. وليس لأحد أن يأخذهم إلا بما يظهر منهم من مخالفات وجرائم. وليس لأحد أن يظن أو يتوقع، أو حتى يعرف أنهم يزاولون في الخفاء مخالفة ما، فيتجسس عليهم ليضبطهم! وكل ما له عليهم أن يأخذهم بالجريمة عند وقوعها وانكشافها، مع الضمانات الأخرى التي ينص عليها بالنسبة لكل جريمة. بعد ذلك يجيء النهي عن الغيبة في تعبير عجيب، يبدعه القرآن إبداعا {ولا يغتب بعضكم بعضا. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه}.. إنه يعرض مشهدا تتأذى له أشد النفوس كثافة وأقل الأرواح حساسية. مشهد الأخ يأكل لحم أخيه ميتا! ثم يبادر فيعلن عنهم أنهم كرهوا هذا الفعل المثير للاشمئزاز، وأنهم إذن كرهوا الاغتياب! ثم يعقب على كل ما نهاهم عنه في الآية من ظن وتجسس وغيبة باستجاشة شعور التقوى، والتلويح لمن اقترف من هذا شيئا أن يبادر بالتوبة تطلعا للرحمة {واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.

المزيد